فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ}.
نقول أقسام المكلفين ثلاثة مؤمن ظاهر بحسن اعتقاده، وكافر مجاهر بكفره وعناده، ومذبذب بينهما يظهر الإيمان بلسانه ويضمر الكفر في فؤاده، والله تعالى لما بين القسمين بقوله تعالى: {فَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الكاذبين} [العنكبوت: 3] وبين أحوالهما بقوله: {أَمْ حَسِبَ الذين يَعْمَلُونَ السيئات} [العنكبوت: 4] إلى قوله: {والذين ءامَنُوا وَعَمِلُوا الصالحات} [العنكبوت: 7] بين القسم الثالث وقال: {وَمِنَ الناس مَن يَقُولُ ءامَنَّا بالله} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قال: {وَمِنَ الناس مَن يَقُولُ ءامَنَّا} ولم يقل آمنت مع أنه وحد الأفعال التي بعده كقوله تعالى: {فَإِذَا أُوذِىَ في الله} وقوله: {جَعَلَ فِتْنَةَ الناس} وذلك لأن المنافق كان يشبه نفسه بالمؤمن، ويقول إيماني كإيمانك فقال: {آمنا} يعني أنا والمؤمن حقًا آمنا، إشعارًا بأن إيمانه كإيمانه، وهذا كما أن الجبان الضعيف إذا خرج مع الأبطال في القتال، وهزموا خصومهم يقول الجبان خرجنا وقاتلناهم وهزمناهم، فيصح من السامع لكلامه أن يقول وماذا كنت أنت فيهم حتى تقول خرجنا وقاتلنا؟ وهذا الرد يدل على أنه يفهم من كلامه أن خروجه وقتاله كخروجهم وقتالهم، لأنه لا يصح الإنكار عليه في دعوى نفس الخروج والقتال، وكذا قول القائل أنا والملك ألفينا فلانًا واستقبلناه ينكر، لأن المفهوم منه المساواة فهم لما أرادوا إظهار كون إيمانهم كإيمان المحقين كان الواحد يقول: {آمنا} أي أنا والمحق.
المسألة الثانية:
قوله: {فَإِذَا أُوذِىَ في الله} هو في معنى قوله: {وَأُخْرِجُوا مِن ديارهم وَأُوذُوا في سَبِيلِى} [آل عمران: 195] غير أن المراد بتلك الآية الصابرون على أذية الكافرين والمراد هاهنا الذين لم يصبروا عليها فقال هناك: {وَأُوذُوا في سَبِيلِى} [آل عمران: 195] وقال ههنا: {أُوذِىَ في الله} ولم يقل في سبيل الله واللطيفة فيه أن الله أراد بيان شرف المؤمن الصابر وخسة المنافق الكافر فقال هناك أوذي المؤمن في سبيل الله ليترك سبيله ولم يتركه، وأوذي المنافق الكافر فترك الله بنفسه، وكان يمكنه أن يظهر موافقتهم إن بلغ الإيذاء إلى حد الإكراه، ويكون قلبه مطمئنًا بالإيمان فلا يترك الله، ومع هذا لم يفعله بل ترك الله بالكلية، والمؤمن أوذي ولم يترك سبيل الله بل أظهر كلمتي الشهادة وصبر على الطاعة والعبادة.
المسألة الثالثة:
قوله: {جَعَلَ فِتْنَةَ الناس كَعَذَابِ الله} قال الزمخشري: جعل فتنة الناس صارفة عن الإيمان كما أن عذاب الله صارف عن الكفر، وقيل جزعوا من عذاب الناس كما جزعوا من عذاب الله، وبالجملة معناه أنهم جعلوا فتنة الناس مع ضعفها وانقطاعها كعذاب الله الأليم الدائم حتى ترددوا في الأمر، وقالوا إن آمنا نتعرض للتأذي من الناس وإن تركنا الإيمان نتعرض لما توعدنا به محمد عليه الصلاة والسلام، واختاروا الاحتراز عن التأذي العاجل ولا يكون التردد إلا عند التساوي ومن أين إلى أين تعذيب الناس لا يكون شديدًا، ولا يكون مديدًا لأن العذاب إن كان شديدًا كعذاب النار وغيره يموت الإنسان في الحال فلا يدوم التعذيب، وإن كان مديدًا كالحبس والحصر لا يكون شديدًا وعذاب الله شديد وزمانه مديد، وأيضًا عذاب الناس له دافع وعذاب الله ماله من دافع، وأيضًا عذاب الناس عليه ثواب عظيم، وعذاب الله بعده عذاب أليم، والمشقة إذا كانت مستعقبة للراحة العظيمة تطيب ولا تعد عذابًا كما تقطع السلعة المؤذية ولا تعد عذابًا.
المسألة الرابعة:
قال: {فِتْنَةَ الناس} ولم يقل عذاب الناس لأن فعل العبد ابتلاء وامتحان من الله وفتنته تسليط بعض الناس على من أظهر كلمة الإيمان ليؤذيه فتبين منزلته كما جعل التكاليف ابتلاءً وامتحانًا وهذا إشارة إلى أن الصبر على البلية الصادرة ابتلاء وامتحانًا من الإنسان كالصبر على العبادات.
المسألة الخامسة:
لو قال قائل هذا يقتضي منع المؤمن من إظهار كلمة الكفر بالإكراه، لأن من أظهر كلمة الكفر بالإكراه احترازًا عن التعذيب العاجل يكون قد جعل فتنة الناس كعذاب الله، فنقول ليس كذلك، لأن من أكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان لم يجعل فتنة الناس كعذاب الله، لأن عذاب الله يوجب ترك ما يعذب عليه ظاهرًا وباطنًا، وهذا المؤمن المكره لم يجعل فتنة الناس كعذاب الله، بحيث يترك ما يعذب عليه ظاهرًا وباطنًا، بل في باطنه الإيمان، ثم قال تعالى: {وَلَئِنْ جَاء نَصْرٌ مّن رَّبّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ} يعني دأب المنافق أنه إن رأى اليد للكافر أظهر ما أضمر وأظهر المعية وادعى التبعية، وفيه فوائد نذكرها في مسائل:
المسألة الأولى:
قال: {وَلَئِنْ جَاء نَصْرٌ مّن رَّبّكَ} ولم يقل من الله، مع أن ما تقدم كان كله بذكر الله كقوله: {أُوذِىَ في الله} وقوله: {كَعَذَابِ الله} وذلك لأن الرب اسم مدلوله الخاص به الشفقة والرحمة، والله اسم مدلوله الهيبة والعظمة، فعند النصر ذكر اللفظ الدال على الرحمة والعاطفة، وعند العذاب ذكر اللفظ الدال على العظمة.
المسألة الثانية:
لم يقل ولئن جاءكم أو جاءك بل قال: {وَلَئِنْ جَاء نَصْرٌ مّن رَّبّكَ} والنصر لو جاءهم ما كانوا يقولون: {إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ} وهذا يقتضي أن يكونوا قائلين: إنا معكم إذا جاء نصر سواء جاءهم أو جاء المؤمنين، فنقول هذا الكلام يقتضي أن يكونوا قائلين إنا معكم إذا جاء النصر، لكن النصر لا يجىء إلا للمؤمن، كما قال تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المؤمنين} [الروم: 47] ولأن غلبة الكافر على المسلم ليس بنصر، لأن النصر ما يكون عاقبته سليمة بدليل أن أحد الجيشين إن انهزم في الحال ثم كر المنهزم كرة أخرى وهزموا الغالبين، لا يطلق اسم المنصور إلا على من كان له العاقبة، فكذلك المسلم وإن كسر في الحال فالعاقبة للمتقين، فالنصر لهم في الحقيقة.
المسألة الثالثة:
في ليقولن قراءتان إحداهما: الفتح حملًا على قوله: {مَن يِقُولُ ءامَنَّا} يعني من يقول آمنا إذا أوذي يترك ذلك القول، وإذا جاء النصر يقول إنا كنا معكم وثانيتهما: الضم على الجمع إسنادًا للقول إلى الجميع الذين دل عليهم المفهوم فإن المنافقين كانوا جماعة، ثم بين الله تعالى أنهم أرادوا التلبيس ولا يصح ذلك لهم لأن التلبيس إنما يكون عندما يخالف القول القلب، فالسامع يبني الأمر على قوله ولا يدري ما في قلبه فيلتبس الأمر عليه وأما الله تعالى فهو عليم بذات الصدور، وهو أعلم بما في صدر الإنسان من الإنسان فلا يلتبس عليه الأمر، وهذا إشارة إلى أن الاعتبار بما في القلب، فالمنافق الذي يظهر الإيمان ويضمر الكفر كافر، والمؤمن المكره الذي يظهر الكفر ويضمر الإيمان مؤمن، والله أعلم بما في صدور العالمين، ولما بين أنه أعلم بما في قلوب العالمين، بين أنه يعلم المؤمن المحق وإن لم يتكلم، والمنافق وإن تكلم فقال: {وَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين ءامَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ المنافقين} وقد سبق تفسيره، لكن فيه مسألة واحدة وهي أن الله قال هناك: {فَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين صَدَقُوا} وقال ههنا: {وَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين ءامَنُوا} فنقول لما كان الذكر هناك للمؤمن والكافر، والكافر في قوله كاذب، فإنه يقول: الله أكثر من واحد، والمؤمن في قوله صادق فإنه كان يقول الله واحد، ولم يكن هناك ذكر من يضمر خلاف ما يظهر، فكان الحاصل هناك قسمين صادقًا وكاذبًا وكان هاهنا المنافق صادقًا في قوله فإنه كان يقول الله واحد، فاعتبر أمر القلب في المنافق فقال: {وَلَيَعْلَمَنَّ المنافقين} واعتبر أمر القلب في المؤمن وهو التصديق فقال: {وَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين ءامَنُوا}.
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12)}.
لما بين الله تعالى الفرق الثلاثة وأحوالهم، وذكر أن الكافر يدعو من يقول آمنت إلى الكفر بالفتنة، وبين أن عذاب الله فوقها، وكان الكافر يقول للمؤمن تصبر في الذل وعلى الإيذاء لأي شيء ولم لا تدفع عن نفسك الذل والعذاب بموافقتنا؟ فكان جواب المؤمن أن يقول خوفًا من عذاب الله على خطيئة مذهبكم، فقالوا لا خطيئة فيه وإن كان فيه خطيئة فعلينا، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
ولنحمل صيغة أمر، والمأمور غير الآمر، فكيف يصح أمر النفس من الشخص؟ فنقول الصيغة أمر والمعنى شرط وجزاء، أي إن اتبعتمونا حملنا خطاياكم، قال صاحب الكشاف: هو في معنى قول من يريد اجتماع أمرين في الوجود، فيقول ليكن منك العطاء وليكن مني الدعاء، فقوله: {ولنحمل} أي ليكن منا الحمل وليس هو في الحقيقة أمر طلب وإيجاب.
المسألة الثانية:
قال: {وَمَا هُمْ بحاملين مِنْ خطاياهم} وقال بعد هذا: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت: 13] فهناك نفى الحمل، وهاهنا أثبت الحمل، فكيف الجمع بينهما، فنقول قول القائل: فلان حمل عن فلان يفيد أن حمل فلان خف، وإذا لم يخف حمله فلا يكون قد حمل منه شيئًا، فكذلك هاهنا ما هم بحاملين من خطاياهم يعني لا يرفعون عنهم خطيئة وهم يحملون أوزارًا بسبب إضلالهم ويحملون أوزارًا بسبب ضلالتهم، كما قال النبي عليه السلام: «من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من وزره شيء».
المسألة الثالثة:
الصيغة أمر، والأمر لا يدخله التصديق والتكذيب، فكيف يفهم قوله: {إِنَّهُمْ لكاذبون} نقول قد تبين أن معناه شرط وجزاء، فكأنهم قالوا: إن تتبعونا نحمل خطاياكم وهم كذبوا في هذا فإنهم لا يحملون شيئًا.
{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)}.
في الذي كانوا يفترونه يحتمل ثلاثة أوجه أحدها: كان قولهم: {وَلْنَحْمِلْ خطاياكم} [العنكبوت: 12] صادرًا لاعتقادهم أن لا خطيئة في الكفر، ثم يوم القيامة يظهر لهم خلاف ذلك فيسألون عن ذلك الافتراء وثانيها: أن قولهم: {وَلْنَحْمِلْ خطاياكم} كان عن اعتقاد أن لا حشر، فإذا جاء يوم القيامة ظهر لهم خلاف ذلك فيسألون ويقال لهم أما قلتم أن لا حشر وثالثها: أنهم لما قالوا إن تتبعونا نحمل يوم القيامة خطاياكم، يقال لهم فاحملوا خطاياهم فلا يحملون فيسألون ويقال لهم لم افتريتم. اهـ.

.قال ابن عطية:

وقوله تعالى: {ومن الناس} الآية إلى قوله: {المنافقين}.
نزلت في قوم من المسلمين كانوا بمكة مختفين بإسلامهم، قال ابن عباس: فلما خرج كفار قريش إلى بدر أخرجوا مع أنفسهم طائفة من هؤلاء فأصيب بعضهم فقال المسلمون كانوا أصحابنا وأكرهوا فاستغفروا لهم فنزلت {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم}.
[النساء: 97] ، قال فكتبت لمن بقي بمكة بهذه الآية أي لا عذر لهم، فخرجوا فلحقهم المشركون فأعطوهم الفتنة وردوهم إلى مكة فنزلت فيهم هذه الآية، {ومن الناس من يقول آمنا بالله} الآية، فكتب المسلمون إليهم بذلك فخرجوا ويئسوا من كل خير، ثم نزلت فيهم {ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم} [النحل: 110] ، فكتب لهم بذلك أن الله قد جعل لكم مخرجًا فخرجوا فلحقهم المشركون فقاتلوهم فنجا من نجا وقتل من قتل، وقال ابن زيد: نزلت قوله تعالى: {جعل فتنة الناس} الآية في منافقين كفروا لما أوذوا، وقوله تعالى: {جعل فتنة الناس كعذاب الله} أي صعب عليه أذى الناس حين صده وكان حقه أن لا يلتفت إليه وأن يصبر له في جنب نجاته من عذاب الله، ثم أزال تعالى موضع تعلقهم ومغالطتهم أن جاء نصر، ثم قررهم على علم الله تعالى بما في صدورهم أي لو كان يقينًا تامًا وإسلامًا خالصًا لما توقفوا ساعة ولركبوا كل هول إلى هجرتهم ودار نبيهم وقوله تعالى: {وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين} تفسيره على حد ما تقدم في نظيره، وهنا انتهى المدني في هذه السورة.
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ}.
روي أن قائل هذه المقالة الوليد بن المغيرة، وقيل بل كانت شائعة من كفار قريش قالوا لأتباع النبي صلى الله عليه وسلم ادخلوا في أمرنا وأقروا بآلهتنا واعبدوها معنا ونحن ليقيننا أنه لا بعث بعد الموت ولا رجوع نتضمن لكم حمل خطاياكم فيما دعوناكم إليه إن كان في ذلك درك كما تزعمون، وقولهم {ولنحمل} إخبار أنهم يحملون خطاياهم على جهة التشبيه بالثقل ولكنهم أخرجوه في صيغة الأمر لأنها أوجب وأشد تأكيدًا في نفس السامع من المجازاة وهذا نحو قال الشاعر مدثار بن شيبان النمري: الوافر:
فقلت ادعي وأدع فإن أندى ** لصوت أن ينادي داعيان

ولكونه خبرًا حسن تكذيبهم فيه، فأخبر الله عز وجل أن ذلك باطل وأنهم لو فعلوه لم ينحمل عن أحد من هؤلاء المغترين بهم شيء من خطاياه التي تختص به، وقرأ الجمهور {ولنحملْ} بجزم اللام، وقرأ عيسى ونوح القاري {ولنحمل} بكسر اللام وقرأ داود بن أبي هند {من خطَيِهم} بفتح الطاء وكسر الياء وحكى عنه أبو عمرو أنه قرأ: {من خِطيئاتهم} بكسر الطاء وهمزة وتاء بعد الألف، وقال مجاهد: الحمل هو من الحمالة لا من الحمل على الظهر.
ثم أخبر تعالى عن أولئك الكفرة أنهم يحملون أثقالهم من كفرهم الذي يجترحونه ويتلبسون به، و{أثقالًا مع أثقالهم} يريد ما يلحقهم من إغوائهم لعامتهم وأتباعهم فإنه بلحق كل داع إلى ضلالة كفل منها حسب الحديث المشهور، «أيما داع إلى هدى فاتبع عليه فله مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا وأيما داع دعا إلى ضلالة» الحديث.
قال القاضي أبو محمد: وهي وإن كانت من {أثقالهم} فلكونها بسبب غيرهم وعن غير كفر تلبسوه فرق بينها وبين {أثقالهم} ولم ينسبها إلى غيرهم بل جعلها في رتبة فقط فهم فيها إنما يزرون بوزر أنفسهم، وقد يترتب حمل أثقال الغير بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه يقتص للمظلوم بأن يعطى من حسنات ظالمه فإن لم يبق للظلم حسنة أخذ من سيئات المظلوم فطرحت عليه»، وقوله تعالى: {وليسألن} يريد على جهة التوبيخ والتقريع لا على جهة الاستفهام والاستعلام، و{يفترون} معناه يختلقون من الكفر ودعوى الصاحبة والولد لله تعالى وغير ذلك. اهـ.